- القايد عبد الرحمن التامنوكالي
- القايد محمد بن عبد الرحمن التامنوكلي
- القايد بوبكر بن عبد الرحمن التامنوكلي
القايد عبد الرحمن التامنوكالي
تولى القايد عبد الرحمن قيادة أهل مزكيطة التي كان مركزها بتامنوكالت سنة 1878 خلفا لأخيه القايد المدني التامنوكالي بعد وفاته.. وللعلم.. فإن قيادة تامنوكالت كانت من أقوى وأغنى قيادات قبائل وادي درعة في تلك الفترة ..
كان تولي عبد الرحمن التامنوكالي للقيادة قد تزامن مع أوج قيادة محمد إبيبط الكلاوي ورغبته في توسيع مجال نفوذه.. فقبل سنة واحدة من توليه القيادة.. أي سنة 1877.. كانت تلك سنة أول دخول لكلاوة إلى ورزازات واستولائهم على قصر تاوريرت بعد أن فر منها شيخها.. الشيخ محمد بن عبد الله.. وقبل دخول محمد ابيبط إلى عمق قبائل ورزازات واستولائه على تاوريرت وفرض سيطرته عليها.. كان قبل ذلك قد ضرب قبائل آيت زينب.. وتيفولتت.. وآيت بن حدو.. خلال حروبه التوسعية التي قادها كلاوة وامتدت بين 1874 و 1880.. فكان حكم تاوريرت من نصيب ابنه القايد حمادي الكلاوي..
كان القائد عبد الرحمن التمنوكالي يعي جيدا الرغبة العارمة عند آل الكَلاوي لمد نفوذهم على وادي درعة لأهميته الاقتصادية.. خاصة أن القائد العربي اليحياوي (القايد العربي الجد.. وليس حفيده القايد العربي الذي عايش حكمه فترة الحماية الفرنسية) كان يداهن محمد ابيبط الكَلاوي ويتملقه رغبة في التقرب منه للاستعانة به ضد منافسه عبد الرحمن التمنوكالي..
ظل القائد عبد الرحمان التمنوكالي.. خلال السنوات الأخيرة من عهد محمد أبيبط يتابع ويراقب الأمور عن بُعد.. لانشغاله في حروبه مع قبائل أولاد يحيى.. حيث بدأ القائد العربي اليحياوي يزاحمه على المدخل الجنوبي لواحة مزكيطة..
خرج القايد عبد الرحمن عن تحفظه في بداية عهد قيادة المدني الكَلاوي سنة 1886.. بعد وفاة والده محمد إبيبط.. فأرسل القايد عبد الرحمن أخاه العباس إلى الشيخ محمد أوعبو أحد كبار الشيوخ من قبائل أهل ورزازات.. يقترح عليه تنشيط التحالفات القبلية للوقوف في وجه آل الكَلاوي.. وبهذه الخطوة يكون القائد عبد الرحمن التمنوكالي أعلن عن معارضته الصريحة لآل الكَلاوي.. والانخراط كلية في الصراعات السياسية التي تفجرت آنذاك بين قواد وأعيان وشيوخ القبائل بمناطق الأودية وآل الكَلاوي كما سبق وتطرقنا إليه في منشورات سابقة عن سنوات السيبة التي اندلعت بعد وفاة السلطان مولاي الحسن الأول سنة 1894..
بعد فشل حصار تاوريرت وفشل انقلاب القبائل على آل الكلاوي.. وبعدما تمكن الفقيه المدني الكَلاوي من تفكيك حلف آيت واوزكيت.. بالقضاء على مشيخة الشيخ علي نايت بن حدو.. وتعزيز نفوذ أسرته بورزازات.. وبات طريق وادي درعة منفتحا على مصراعيه أمام قوات الفقيه المدني الكَلاوي.. انتقل القائد عبد الرحمن التمنوكلي إلى محاولة إنعاش التحالفات القبلية التقليدية مع قبائل إمغران وبعض قبائل آيت عطا.. للتصدي لتوسع المدني الكَلاوي بدرعة..
وبعدما استنفذ القائد عبد الرحمن التمنوكالي كل المحاولات للوقوف في وجه آل الكَلاوي بدرعة.. حاول تدارك ما فاته في محاباة آل الكَلاوي وتملق الفقيه المدني الكَلاوي.. خاصة أن غريمه القائد محمد بن العربي اليحياوي قد أعلن ولاءه المطلق للمدني الكَلاوي.. الذي بات يتصرف في شؤون الجنوب باعتباره خليفة للمخزن ولا يد فوق يده بهذه الجهات..
توفي القايد عبد الرحمن التمنوكالي سنة 1904.. وخلفه ابنه القائد محمد التمنوكالي على رأس قيادة تامنوكالت..
القايد محمد بن عبد الرحمن التامنوكلي
تولى القائد محمد بن عبد الرحمن التمنوكالي قيادة تامنوكالت بعد وفاة والده القائد عبد الرحمن التمنوكالي سنة 1904..
كان من المشاكل التي ورثها القائد محمد التمنوكالي من والده.. طبيعة العلاقات المتردية مع الفقيه المدني الكَلاوي.. فبدأ القائد محمد محاولة إصلاح ما أفسده والده وكان يستغل أبسط مناسبة ليوجه الهدايا والتحف النفيسة إلى قصبة تلوات.. والأكثر من ذلك.. في صيف سنة 1907.. قاد المدني الكَلاوي الانقلاب الحفيظي بمراكش ضد مولاي عبد العزيز.. فجهز القائد محمد التمنوكالي كتيبة من رجال قبائل أهل مزكيطة وأرسلهم إلى مراكش ليكونوا رهن إشارة عراب الحركة الحفيظية القائد المدني الكَلاوي.. لعل وعسى أن ينال بذلك رضى آل الكلاوي..
بقي القائد محمد يتودد بشتى الطرق لينال رضى المدني الكلاوي.. هذا الاخير الذي نال ترقية من السلطان مولاي عبد الحفيظ إلى منصب الصدر الأعظم للسلطنة الشريفة بعد نجاحه في قيادة حملة الإنقلاب.. للأسف.. فكل المبادرات التي قام بها القائد محمد التمنوكالي لم تستطع تنقية صدر الفقيه المدني الكَلاوي من الحقد والضغائن اللذان يكنهما للقيادات التاريخية والأسر المخزنية التقليدية بالجنوب المغربي.. وهكذا ظل المدني الكَلاوي يصنف قيادة تامنوكالت ضمن خانات الأسر المعارضة لأسرته.. وعلى أساس هذا التصنيف ظل يتعامل هو وآله مع قيادة تامنوكالت بنوع من الحذر والشك..
عمد المدني الكلاوي بعد توليه منصب الصدر الأعظم للسلطنة إلى تعيين عدد من أقربائه في مناصب مخزنية كقواد وخلفاء بجهات الجنوب.. وقد كان كما ذكرت أيضا نصيب ابن أخيه محمد بن محمد بن محمد ابيبط.. المعروف باسم القائد حمو الكلاوي.. تولي الخلافة على مناطق الأودية (درعة، دادس، تودغة)..
كان على القائد محمد التمنوكالي إذا أراد الحفاظ على قيادة أسلافه.. أن يتكيف مع الوضع الجديد ويقبل بالأمر الواقع الذي فرضه آل الكَلاوي.. فقد كانت سياسة القايد حمو الكَلاوي مع قبائل وادي درعة هو التشدد المفرط في استحلاب الأموال خارج نطاق الجبايات الشرعية التقليدية التي تدفعها القبائل طواعية لخزائن المخزن.. وهذا ما جعل جل القبائل بمناطق الأودية ترفض الانصياع لأوامر آل الكَلاوي ومعارضتهم إلى حد الكراهية وقبول التحالف مع الشيطان ضدهم..
ورغم الرجة الكبيرة التي تعرضت لها أسرة آل الكَلاوي بعد أن عزل السلطان عبد الحفيظ المدني وأفراد أسرته من مناصبهم سنة 1911.. فإن كلاوة استرجعوا مواقعهم بسرعة في الجهاز المخزني بعدما أشرفت عليه فرنسا بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912.. وقد أقرت سلطة الحماية القائد حمو الكَلاوي خليفة للمخزن على المناطق الجنوبية.. مما يعني أن فرنسا وافقت القائد حمو على سياسته التفقيرية لقبائل واحات درعة.. وكان ذلك أمرا لم يستسغه القائد محمد التمنوكالي فتوفي كمدا سنة 1915.. وتولى أخوه القائد بوبكر بن عبد الرحمن القيادة لتبدأ معه رحلة من المواجهات مع أسرة آل الكَلاوي..
القايد بوبكر بن عبد الرحمن التامنوكلي
تولى القائد بوبكر قيادة تامنوكالت خلفا لأخيه القائد محمد بعد وفاته سنة 1915..
كان القائد بوبكر التمنوكالي يحمل بعض صفات والده القائد عبد الرحمن التمنوكالي من حيث الاندفاع والتسرع.. وكان لا يحسب حسابا للعواقب الوخيمة التي قد تلحقه وتضر قيادته لتسرعه وتهوره في الإعلان عن مواقفه في معارضة آل الكَلاوي..
كما كان متضحا من تصرفات القائد بوبكر التمنوكالي أنه لم يكن يستوعب جيدا التحولات التي طرأت على تسيير أمور البلاد مع تولي آل الكَلاوي بدعم من سلطة الحماية.. ذلك أنه ما كادت الحرب العالمية الأولى تنتهي في خريف سنة 1918.. حتى عمد القائد حمو الكَلاوي إلى اختيار مجموعة من الموالين له فعينهم خلفاء له بمختلف واحات درعة.. وهذا يعني تقليص دور القيادات المحلية إن لم نقل إلغاؤها..
نتذكر أن سنة 1918 كانت سنة وفاة الفقيه المدني الكلاوي.. ونتذكر كذلك كما سبق وتطرقنا إليه في منشور سابق كيف كان رد المارشال ليوطي على الجنرال دو لاموت الذي كان قد دعا إلى ضرورة انتهاز فرصة وفاة المدني الكلاوي للحد من سلطة آل الكلاوي.. تجنبا لتكرار الصراع والمشاكل التي حصلت في مراكش بعد دخول أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العنين.. فقررت القوات الفرنسية الاستمرار في الدعم والتعاون المتبادل بين القوات الفرنسية وآل الكلاوي عوض الإنقلاب عليها.. فتولى التهامي الكلاوي القيادة خلفا لأخيه المدني بمباركة القوات الفرنسية..
تجدر الإشارة أن القائد التهامي الكلاوي قد تحالف وتعاون مع القوات الفرنسية سابقا لإسقاط أحمد الهيبة في المعارك التي خاضتها ضده بداية من سنة 1912 بعد توقيع معاهدة الحماية وتولي السلطان مولاي يوسف خلفا لأخيه مولاي حفيظ بعد تنحيته.. وقد كان حينها القائد التهامي الكلاوي مع أخيه المدني حاضران بقوة بجانب قواد آخرين أقوياء.. كالحاج العيادي بالرحامنة.. وعيسى بن عمر قائد عبدة.. جميعهم تحالفوا لدعم القوات الفرنسية لإسقاط حركة أحمد الهيبة المقاومة..
عودة إلى قبائل وادي درعة عامة وقيادة تامنوكالت خاصة.. فما كاد خلفاء حمو الكَلاوي يصلون إلى وادي درعة.. حتى كشفوا عن نيتهم في استحلاب أموال الناس.. وكأنهم جاءوا لإفقار القبائل وتجريدها من ممتلكاتها..
ونتيجة لهذه السياسة التفقيرية.. تفجرت الأوضاع القبلية بالوادي فبدأت إنقلابها بتطبيق حصار شديد على قصبات خلفاء القائد حمو.. بل إن القبائل أعلنت عن خلع طاعة “المخزن” الذي يمثله آل الكَلاوي.. فنشطت أسواق الأسلحة وبدأت القبائل تستعد لكل الاحتمالات القادمة..
تزامنت هذه الأحداث التي بدأت تطفوا على مسرح الحياة اليومية لسكان وادي درعة.. مع حركة مبارك بن الحسين التوزونيني بتافيلالت.. تزامنت كذلك مع حركة مولاي الحاج اشبيهنا بتاغوغت تيفرنين.. مولاي الحاج اشبيهنا بن الشيخ ماء العينين.. وهو أخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين.. فبدأت رياح الجهاد ضد الفرنسيين والموالين لهم تهب بقوة من المنطقة..
لقد تطرقت إلى هذه الأحداث التاريخية الجانبية بإيجاز .. وذلك لارتباطها بحملة القايد حمو الكلاوي إلى قيادات قبائل وادي درعة.. فقد كانت شبيهة شيئا ما بحملة المدني التي تطرقنا إليها في منشور سابق ضد قبائل حلف ايت واوزكيط وأهل ورزازات لفك حصار تاوريرت… وقد كانت قيادة تامنوكالت من بين أبرز هذه القبائل المتمردة وأقواها في عهد القايد بوبكر بن عبد الرحمن التمنوكالي.. فكانت بذلك من بين القيادات التي قصدها القايد حمو الكلاوي في حملته من أجل إخضاعها وكسر شوكتها..
في خضم هذا الجو السياسي الساخن والمشحون.. قام القائد بوبكر التمنوكالي باعتراض قافلة عائدة من مراكش بواحة مزكيطة.. وكان بعض رجال القافلة يحملون هدية نفيسة من القائد حمو الكَلاوي إلى صديقه القائد العربي بن محمد اليحياوي..
اهتز القائد حمو الكَلاوي لنهب القافلة.. واعتبر العمل في حد ذاته جريمة نكراء.. أرغم بعد ذلك القائد بوبكر التمنوكالي على إعادة ما نهب سالما.. لكن جرأة القائد بوبكر التمنوكالي على سلطة القائد حمو كانت مؤشرا قويا على دفع الأمور إلى مواجهة حتمية بين قيادة تامنوكالت وآل الكَلاوي..
كانت قبائل أهل مزكيطة الخاضعة لقيادة تامنوكالت من أكثر القبائل تضررا من المطالب المالية المجحفة والجائرة لآل الكَلاوي.. وكان الهدف من هذه السياسة التفقيرية لقبائل أهل مزكيطة هو تجريد قيادة تامنوكالت من مصدر قوتها.. فإن القائد حمو وعمه التهامي الكَلاوي لم ينسوا المعارضة والمقاومة القوية والجريئة للقائد عبد الرحمن ضد المدني الكلاوي.. ولم يتمكنوا خلال ولاية القائد محمد بن عبد الرحمن من تجاوز الضغائن التي يكنونها لآل تامنوكالت رغم محاولات القايد محمد التمنوكالي المتكررة طيلة فترة توليه لكسب رضا آل الكلاوي والتودد إليهم..
أدرك القائد بوبكر التمنوكالي جيدا رغبة كلاوة في إضعاف قيادته تمهيدا للقضاء عليها وضم قبائل أهل مزكيطة إلى قيادة أولاد يحيى العدو اللدود لقيادة تامنوكالت.. وكان أول مؤشر لهذه العملية هو قيام القائد حمو الكَلاوي بفصل قبائل آيت سدرات من نفوذ مزكيطة وضمها إلى الشيخ بولعجين الدادسي.. وقد استفزت هذه العملية القائد أبو بكر التمنوكالي وآيت سدرات ندرى على حد سواء.. فقرر الطرفان تجديد تحالفهم ضد آل الكَلاوي..
وفي خطوة ملفتة للنظر.. قام أهل مزكيطة.. وآيت سدرات سنة 1923 باعتراض مجموعة من مخازنية القائد حمو الكَلاوي.. ومنعوهم من النزول إلى الواحات الجنوبية.. بل إن القائد بوبكر حاول إقناع القائد العربي اليحياوي بالتحالف معه على شر كلاوة.. حيث وجه إليه وفدا من ستة رجال برئاسة ابن عمه أحمد بن حساين للتفاوض في شأن التصدي لآل الكَلاوي.. إلا أن القائد العربي اعتقل الرجال السبعة وطير الخبر للقائد حمو ليري فيهم رأيه..
انزعج القائد حمو الكَلاوي وشعر بالتهديد خاصة مع تزايد رياح حركات المقاومة والجهاد في المنطقة ضد الفرنسيين ومن يواليهم.. فحاول وأد الفكرة في مهدها فوجه سلسلة من الرسائل إلى الموالين لآل الكَلاوي بوادي درعة ليتحركوا ضد قيادة تامنوكالت.. وكذا بعث برسالة تحدي إلى مولاي الحاج شبيهنا بتاغوغت.. ومما ورد في رسائل حمو الكَلاوي القيادات الموالية له:
«… بناء على ما تجاهر به آيت تامنوكالت من شق العصا وإشاعة الفساد، وغير ذلك من الأسباب التي يأباها القانون المخزني وكنا تربصنا عن مقابلتهم باللائق تأنيا لا عجزا لحق جناب المخزن، رجاء أن يراجعوا أفكارهم، ويتأملون إن ما هم عليه من الخوض، لا يعود وبال ذلك إلا عليهم، وأن المخزن على كامل الاستعداد لمثل ذلك، وحيث رأيناهم، في الازدياد عما هم عليه من التهاتر وقع الاتفاق مع المخزن بصدور النداء في كافة أسواق الإيالة بأن المخزن أطلق السبيل في آيت تامنوكالت، في أنفسهم وأموالهم أينما أخذوا يواخذون بفسادهم وأن لا ذمة لهم تراعى، وأن كل من آواهم أو لقيهم وتهاون في أخذهم، ولم يمتثل كلام المخزن الصادر في شأنهم، فإنه عدو للمخزن يلزمه ما يلزمهم.»
ومما جاء في رسالته إلى مولاي الحاج :
“… إذا كانت معك قوة أو عندك إذن وجاه ، بما تكسر به النصارى ، وتبدد شملهم فأظهر لنا صحة ذلك ونتبعك ونخدم معك بعددنا وبمن إنضاف معنا ورجالنا و أموالنا ، وإن كنت طالب معاش ورزق فآخبرنا نرسل لك الزيارة ، وآترك عنك هذا القول فليس لك به حاجة … “
ولما وصل رسل القائد حمو إلى مولاي الحاج.. إعتقلهم بعدما تعرضو للضرب وسجنهم وهدد القائد حمو بقطع رأسه..
توصل القائد حمو الكلاوي الذي كان وقت إذ ببلاد تودغة بتهديدات مولاي الحاج.. فتوجه على رأس حركته إلى زاوية ” تاغوغت ” مدعوما من القوات الفرنسية بالسلاح والعتاد.. فتفرق أتباع مولاي الحاج هاربين دون مواجهة خوفا من قوة القايد حمو الكلاوي..
كان قبل ذلك الشيخ مولاي الحاج اشبيهنا مستقرا في مناطق واد درعة لمدة قاربت الأربع سنوات.. وقد رصدت القوات الفرنسية تحركاته التحريضية ضد الفرنسيين منذ صعوده شمالا نحو الأطلس ( أزيلال) وتقلبه نحو تافيلات حيث لاقى معارضة من الزاوية الناصرية ليتوجه إلى بلاد تودغة(تنغير حاليا).. هذا كما ورد في مصادر عدة من الارشيف الفرنسي وتحدثت عنه بعض المقاطع الصحفية كما جاء في الصورة المرفقة لإحدى تلك المقاطع..
وفيما يلي ترجمة للنص الفرنسي إلى العربية :
《 تيفرنين .— بعد اتخاذ أول الإجراءات لاحتواء عدم الاستقرار الذي نتج عن دعاية و خطب المحتال الذي أعلن الهيبة سلطانا في ناحية تيفرنين قام ” سي حمو ” بردة فعل قوية ضده كان من اللازم فعلا وضع حد للفوضى التي كانت تهدد بالانتشار مؤججة بقدوم بموجات قدوم من تافيلالت . قامت حركة ممولة من طرف ” گلاوة ” للقدوم إلى تاساونانت حيث التحقت بها كتائب ” ولاد يحيى ” تحت قيادة القائد العربي. في نفس الوقت كانت سرايا تحتل قصر ” آيت حمو ” قرب زاوية ” سيدي بلال ” ( واد القابية ) و البرج و تيسليت ( واد آيت تيجيلي أونحيحن ) . بعد خطة سياسية محكمة تخلت ” آيت عيسى” ،”القراصبة”،” آيت تسلة ” عن المحرض الذي لم يعد مسانداً إلا من طرف ” آيت سمگان ” و ” آيت ساون “.خلال عملية شاملة فُرِّقَتْ قوات المساندين . التجأ المتمرد جريحاً في المعركة وحيداً متخلى عنه، إلى قرية ” تسلة ” حيث استطاع الهروب مغتنماً ظلام الليل . أرسلت كل الأهالي التي كانت تسانده وُفوداً إلى ” سي حمو ” . الإستعلامات متضاربة حول وجهت المتمرد الذي يبدو أن مصاره على وشك الإنتهاء. هذا الشخص الذي كان يوقع مراسلاته باسم “مولاي الحاج شبيه أن” كان على علاقة وطيدة بالهيبة و الذي تصله به صلة قرابة. تخلى بعد هروبه عن رسائل من طرف الهيبة يأمره فيها باستخلاص العشر من سكان ناحية تيفرنين.. 》
تأكد للقائد بوبكر التمنوكالي.. أن حلفاءه من آيت سدرات وقبائل تينزولين وترناتة قد تخلو عنه.. وأن القائد العربي اليحياوي قد كشر عن أنيابه لتحقيق أغراض توسعية على أرض الواقع باقتطاع المزيد من قبائل القصور من قيادة تامنوكالت وضمها إلى قيادة أولاد يحيى..
وجه القايد بوبكر أخاه علي بن عبد الرحمن في رحلة سرية إلى أزيلال حيث ذبح على الفرنسيين هناك ثم تمكن من الوصول إلى الرباط حيث ذبح ذبيحة أخرى أمام قصر السلطان.. وفي نفس الوقت توجه مرسول آخر إلى مدينة تارودانت وتقدم بذبيحة أخرى إلى الفرنسيين..
كانت توسلات رسل بوبكر التمنوكالي إلى الفرنسيين للتدخل بينه وبين آل الكَلاوي.. إلا أن رد الفرنسيين كان صاعقا للتمنوكاليين حيث كانوا يأمرونهم بضرورة الخضوع لسلطة المخزن الذي يمثله آل الكَلاوي بدرعة..
علم بوبكر التمنوكالي أنه قد تورط في مهالك نفسه.. فتوجه إلى طلب الصفح والعفو من القائد حمو الكَلاوي.. لكن هذا الأخير اعتبر أن ما قام به بوبكر التمنوكالي كان تحديا صارماً لسلطته وهيبته وأنه لابد من تأديبه وردعه ليكون عبرة لغيره.. فهيأ حركة قوية من ستة آلاف رجل.. وقد دعمته سلطة الحماية بمدفعين كبيرين لضمان تفوقه ميدانيا على القبائل..
وصلت حملة القايد حمو الكلاوي التي انطلقت في اتجاه وادي درعة من أجل فرض “الطاعة والولاء” على أهالي المنطقة.. وصلت إلى مشارف “قصر تامنوكالت”.. فأمر رجال حركته بأن يرشقوا البارود من بنادقهم.. كما أمر بإطلاق النار من المدفعين الكبيرين اللذين زوّدت بهما قواته من طرف الفرنسيين لإرهاب السكان وإدخال الرعب في نفوسهم.. واعتقد الجميع أن القائد حمو يستعد لتهديم قصر تامنوكالت و تشريد سكانه لخروجهم عن طاعته.. فاستحرم أهل القصر ب “للا عيشة”.. وهي عائشة بنت أحمد الورزازي خالة القائد حمو.. وفي نفس الوقت تكون زوجة علي بن عبد الرحمن التمنوكالي أخ القائد بوبكر التامنوكالي.. خرجت من القصر وتوجهت إلى مضارب حركة القايد حمو وطرحت في حجره صبيا كان عندها وتشفعت له المغفرة والرأفة..
وبالرغم من أن القائد حمو قبل شفاعة خالته و أعرض عن تهديم القصر وتشريد أهله.. فإنه ألزم أهل القصر بتوفير المؤونة الكافية لرجال حركته ما داموا نازلين بمنطقتهم.. وحُددت مؤونة الحركة كل يوم في ألف مد من الشعير.. أربعمئة شليف من التبن لعلف الخيل والجمال.. أربعمئة مائدة من الخبز.. مئة صاع من السمن.. مئة صاع من الزيت.. مئة كاغد من الشمع وما يكفي من الحطب و الفحم و الخضر بالاضافة الى عشرات الأكباش..
لم يقنع القايد حمو من أهل تامنوكالت بهذه المؤونة الثقيلة.. فأطلق أيدي رجاله لينهبوا المنتوجات الزراعية و يقطعوا ثمار النخيل.. ويسرقوا كل ما تصل إليه أيديهم من ثمار و خضر و غيرها.. وينهبوا كل ما يمكن أكله أو حمله.. يقال أن رجال القايد حمو تحولوا إلى لصوص حقيقيين عندما بدأوا يترصدون بالطرقات.. وينهبون كل من صادفوه..
قُدّر ما أنفقه أهل تامنوكالت خلال نزول الحركة ببلادهم بحوالي 100 ألف ريال.. وهو مبلغ كبير جدا آنذاك.. كما أن القايد حمو استصفى كل أموال تامنوكالت إذ أخد ما تبقى من خيلهم و بغالهم و أبقارهم و أغنامهم.. و جرّد النساء من الحلي..
لم تنته المدة التي قضاها القايد حمو بتامنوكالت وهي 17 يوما إلا وقد استنزفت طاقة أهل تامنوكالت بالكامل وأفقروها إلى حد الفاقة..
هذا غيض من فيض ونموذج بسيط لما كان يفعله القائد حمو بأبناء المنطقة الذين عارضوه.. والأمثلة كثيرة لقياد كان همهم الوحيد يتلخص في الحفاظ على مناصبهم وإرضاء أولياء نعمتهم المتمثلين في المخزن المركزي وسلطات الإحتلال التي كانت تقدم له الدعم المادي واللوجستيكي..
نزلت الحركة إلى أن وصلت إلى رباط تينزولين.. وألزم كل القبائل التي مرت الحركة عبر أراضيها بتأدية ذعائر ثقيلة.. وأثناء عودة الحركة من تينزولين عرج القائد حمو على قصبة تامنوكالت ثانية.. فأرغم أهل مزكيطة على تأدية ما بقي في ذمتهم من مال.. ثم عزل القايد بوبكر التمنوكالي.. وقيد أخاه.. زوج خالته علي بن عبد الرحمن التمنوكالي.. الذي عرف فترة الحماية بإسم القايد السي علي..
لم يكن بإمكان القايد السي علي أن يظهر ولو أدنى إشارة تنم عن معارضة آل الكَلاوي.. واكتفى بتدبير شؤون قيادته وإعادة ضبط أحوال قبائل أهل مزكيطة في انتظار ما ستأتي به الأقدار..
اعتقد القايد حمو الكلاوي أنه قد أحكم قبضته على قبائل وادي درعة.. وأوصى خلفاءه بردع أهل الشغب ممن شقوا عصا الطاعة وأشاعوا الفساد.. لكن الرياح لم تكن تأتي بما كان يشتهيه القياد من أمثال حمو الكلاوي ومن يقف وراءهم.. وظلت قبائل واحات درعة تعارض وتقاوم كل ما هو “مخزني” مادام هذا المخزن يرتكز على استحلاب أموالهم و تفقير قبائلهم.. ولذلك فقد شاع في المنطقة تصيّد المقاومة لكل من يمت بصلة لآل الكلاوي في الطرقات ما بين ورزازات والقصور الجنوبية لوادي درعة..
بعد فشل القايد حمو في ضبط الأمن بالمنطقة وتواريه عن الساحة انطلاقا من سنة 1924.. حيث قيل أنه أصيب بمرض شديد أثناء حملة سنة 1923.. قررت سلطات الاحتلال التدخل مباشرة في القتال انطلاقا من سنة 1930..