لكي نتحدث عن رحلة شارل دوفوكو الإستكشافية إلى المغرب.. والتي قام بها بين سنتي 1883 و 1884..
وجب علينا قبل كل ذلك أن نتحدث قليلا عن الفترة الزمنية التي سبقت هذه الرحلة.. وعن ما جاء بعدها..
وسأبدأ التسلسل الزمني لبعض الأحداث بداية من 1873..
سنة 1873
كانت بداية حكم الحسن الأول للسلطنة العلوية الشريفة خلفا لوالده محمد الرابع..
في عهد الحسن الأول حاول أن يبسط سلطة الدولة على كل القبائل دون تمييز.. وتمكّن من تحديث الجيش.. لكن الإصلاحات التي كان يسعى إلى تحقيقها لم تتم للنهاية بسبب تمرد بعض القبائل..
ويرجع السبب في عدم تحقيق كل تلك الإصلاحات وبسط سلطة الدولة.. إلى سياسة التقشف التي اتبعها الحسن الأول لكي لا يُغرق المغرب في الديون ويفتح الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي.. فقد كان حريصا على أن لا يقع في فخ الأوروبيين كما حصل مع كل من تونس ومصر آنذاك..
سنة 1877
كان محمد أبيبط الكلاوي المزواري في فترة ما بين 1874 و 1880 يقود حروبا لضرب قبائل ايت زينب.. ايت بن حدو.. تيفولتوت.. واستولى على إثرها على قصبة تاوريرت سنة 1877 بعد أن فر منها الشيخ محمد بن عبد الله..
تمكن محمد أبيبط الكلاوي المزواري بعد سيطرته على قصبة تاوريرت.. من فرض مراقبته على الحركة التجارية الدؤوبة بين واحات درعة وسوق ورزازات في المنطقة والمزدهر آنذاك.. سوق خميس زاوية سيدي عثمان .. والحركة التجارية بين هذه الأخيرة وبلاد دادس.. سكورة.. وتودغة..
سنة 1880
كانت خريطة المغرب بتفاصيل تضاريسها ومناطقها وقبائلها وفرقها ونفوذ سلطة كل فرقة أو كل سلطة .. قد إكتمل رسمها من طرف الجمعية الجغرافية الفرنسية عن طريق الرسام الجغرافي الرئيسي للجمعية حينها.. جون هانسون..
الشيء الذي يؤكد أن فرنسا كانت تعمل وتخطط بكدّ وجدّ على الأقل قبل 6 سنوات من صدور هذه الخريطة المفصلة .. عازمة الدخول إلى المغرب والعمل على استخراج ثرواتها والإستفادة منها ..
سنة 1883 – 1884
في هذا التاريخ كانت بداية رحلة شارل دوفوكو الشاب ذو 27 عاما من عمره..
كان دوفوكو فارسا في الجيش الفرنسي من درجة ضابط آنذاك.. وقد دخل إلى المغرب بزي حاخام يهودي.. بالرغم من أنه مسيحي كاثوليكي الديانة.. فقد كان يعرف جيدا أن التنكر بزي حاخام يهودي سيبعد عنه الشكوك ويبعده ما أمكن عن المشاكل.. فالمسيحية لم تكن سائدة في المنطقة .. على عكس اليهود الذين كانوا جزءا لا يتجزء من المجتمع المغربي آنذاك..
ارتحل دوفوكو واستكشف وقام بتدوين أدق التفاصيل عن مختلف مناطق المغرب بشكل مبهر ورائع جدا..
سنة 1893 – 1894
تحدثت في الجزء الأول من هذا التسلسل الزمني عن حكم الحسن الأول وكيف تمكن من صد الأطماع المتزايدة للأوروبيين في بلاده.. إلى أن توفي فجأة سنة 1894 خلال حملة للمخزن لبسط سلطة الدولة على بعض القبائل الثائرة بجبال الأطلس..
قبل وفاة الحسن الأول وجب ذكر فصل مهم جدا لعب دورا كبيرا في تطور حكم عائلة الكلاوي..
ففي أواخر سنة 1893.. وفي زيارة للحسن الأول إلى تافيلالت في إطار حملته لبسط سلطة الدولة.. وفي طريقه للرجوع من تافيلالت إلى مراكش.. سلك طريق الفايجة.. ولما وصل إلى ثنية الكَلاوي سقط ثلج كثير.. فأصاب الناس ببرد شديد تألم منه حتى السلطان..
تدخل المدني الكَلاوي وأخوه التهامي لإسعاف الركب السلطاني وجيشه.. فأسعف وزود قافلة السلطان بكل ما تحتاج إليه.. واستجاب السلطان لدعوة ضيافة آل الكَلاوي بقصبة تلوات..
تفانى المدني وأخوه التهامي في توفير كل لوازم الراحة والضيافة اللائقتين بالسلطان وحاشيته من رجال المخزن.. وقد ظل السلطان بقصبة تلوات حوالي خمسة وعشرين يوما..
حصلت له بذلك التفاتة خاصة من جانب السلطان.. كما استغل القائد المدني الكَلاوي وجود حاشية السلطان بقصبته لتوطيد علاقاته بالرجال النافذين في البلاط السلطاني..
وجاءت مكافأة السلطان للمدني الكلاوي كما كان متوقعا بمنحه ظهير تعيينه خليفة للسلطان بالإيالات الجنوبية من قصبة تلوات بالأطلس الكبير.. إلى محاميد الغزلان على مشارف الصحراء.. بما في ذلك بلاد تافيلالت ودادس وتودغة.. ووضع رهن إشارته مدفعين من صنع ألماني.. وعدة صناديق من الذخيرة الحربية..
بعدها ببضعة أشهر توفي السلطان الحسن الأول يوم 7 يونيو من سنة 1894.. ليتولى بعده السلطة إبنه ذو 16 من عمره.. مولاي عبد العزيز ..
وتحدثت الصحف الفرنسية عن خبر وفاة السلطان .. آملين بأنها قد تكون بداية الطريق لفرض الحماية على المغرب..