ورزازات ودرعة بين 1894~1927


بلاد السيبة – بلاد المخزن

إن وفاة الحسن الأول قد نتج عنها انتفاضة عدة قبائل وثورتهم ضد قوادهم..

وبذلك كانت تسمى البلاد التي لازالت خاضعة للمخزن.. أي سلطة الدولة .. بلاد المخزن..

والبلاد التي انتفضت وانقلبت على قوادها المخزنيون .. تسمى بلاد السيبة ..

ازدهرت وظيفة «الزطاط» من جديد.. وعادت العشائر والجماعات إلى التحالفات بين الفرق الذي يعتمد على حكم إمغارن عوض القواد..


حصار تاوريرت

على سبيل المثال بالنسبة لمنطقتنا.. فقد كان هذا هو أساس تكون تحالف لبعض قبائل حاضرة ورزازات مع بعض قبائل واوزكيت (حلف “تاكوزولت”).. لأجل تنظيم إنقلاب على القائد المخزني.. حمادي الكلاوي وحصاره بقصر تاوريرت.. ولقد كان على رأس قبائل ورزازات المتزعمة للحصار.. تمغزازت.. غاليل.. وزاوية سيدي عثمان..


فك الحصار

إذا عدنا بالخط الزمني بضعة أشهر إلى الوراء .. نتذكر أن السلطان الحسن الأول قد قام بمكافئة المدني الكلاوي بتعيينه خليفة له على المناطق الجنوبية من قصبة تلوات بالأطلس الكبير.. إلى محاميد الغزلان على مشارف الصحراء.. بما في ذلك بلاد تافيلالت ودادس وتودغة.. وذلك يعني أن كل القبائل والمناطق التي لازالت تابعة لسلطة المخزن.. فالمدني الكلاوي مشرف عليها بظهير سلطاني..

نتذكر أيضا أن السلطان قد وضع رهن إشارة المدني الكلاوي مدفعين من صنع ألماني.. وعدة صناديق من الذخيرة الحربية..

قام المدني الكَلاوي بشن حملة شرسة لكسر شوكة القبائل السائبة.. فبدأ بقبائل وادي تيدلي.. القريبة جدا من قصبة تلوات.. فتغلب عليها وقطع رأس ولد ابن حليمة شيخ قبائل الوادي المالح..

قام بقطع رؤوس جميع أعيان قبائل المنطقة التي سابت وحاولت الإنقلاب.. وقام بتعليق رؤوسهم على مدخل قصبة تلوات.. ثم توجه بقوته جنوبا لفك الحصار الذي دام لسبعة أشهر عن أخيه حمادي بقصبة تاوريرت.. وقد ساعده في ذلك القايد المخزني محمد بن العربي اليحياوي قادما بدعمه من درعة..

فوقع العقاب والإنتقام القاسي على كل من شارك في تنظيم الحصار..

فقد قام بمحو قبيلة تمغزازت عن بكرة أبيها ..

قتل البعض من الأعيان في المنطقة بينهم أمغار تيفولتوت.. كما تمكن بعضهم من الفرار..

قتل بعض أغنياء المنطقة وهاجر بعضهم فارين من بطش آل الكلاوي.. فصودرت أملاكهم من قصور وفدادين..

وما بقي في المنطقة سوى من نجى بأعجوبة من غضب وبطش الكلاوي وآله.. أو من رضي عنهم من القبائل التي أبانت عن دعمها له ولم تشارك في الحصار.. أو من الخونة الذين كانوا يعملون لصالح الكلاوي من الداخل..

أما بالنسبة لقبائل واوزكيت القوية.. فقد واجه المدني الكلاوي صعوبة ومشاكل كبيرة من أجل إخضاعها في بادئ الأمر.. لكنه تمكن من ذلك في الأخير ونجح في إعادة فرض سلطته على المناطق التي سبق وأن ولاه عليها السلطان الحسن الأول قبل وفاته..


قبائل وادي درعة

في هذه الأثناء.. كانت العائلات القائدية وشيوخ وأعيان القبائل بوادي درعة.. يراقبون من بعيد التطورات التي كانت تجري بمنطقة ورزازات.. وكانت كل قبيلة أو فرقة تبني حساباتها المستقبلية على عاملي الربح والخسارة في تعاملها مع قواد أسرة الكلاوي.. هذه العائلة القوية التي يضرب لها ألف حساب وحساب.. وتراوحت مواقف هذه الأسر ما بين المعارضة الصريحة.. وبين المهادنة المشوبة بالكثير من الحذر والترقب..

نذكر أن قبائل وادي درعة كانت آنذاك تنقسم إلى 6 مراكز قوى أساسية.. متمثلة في مزكيطة.. تنزولين.. ترناتة.. فزواطة.. الكتاوة .. ثم المحاميد ..
وسنركز على المراكز الأولى الأقرب إلى منطقة ورزازات ..


ماذا بعد فك حصار تاوريرت

بعدما تمكن الفقيه المدني الكَلاوي من فك حصار تاوريرت.. وتمكن من تفكيك حلف آيت واوزكيط.. قام بتعزيز نفوذ أسرته بورزازات.. وبات طريق وادي درعة منفتحا على مصراعيه أمام قوات الفقيه المدني الكَلاوي.. وخاصة بعد إعلان القايد العربي موالاته لعائة الكلاوي ودعمه لهم لفك حصار تاوريرت وإخضاع ورزازات..

تنبه القائد عبد الرحمن التمنوكلي إلى ضرورة إنعاش التحالفات القبلية التقليدية مع قبائل إمغران وبعض قبائل آيت عطا للتصدي لتوسع المدني الكَلاوي بدرعة..

ولم يكن المدني الكَلاوي غافلا عن المحاولات المتكررة للقائد التمنوكالي لتفعيل الأحلاف القبلية ضده.. لذلك فقد عمد المدني كعادته إلى حبك سلسلة من الدسائس لإضعاف عبد الرحمن التمنوكالي وإبطال العمل بسياسة الأحلاف القبلية.. في هذا الإطار.. فقد قرب المدني الكَلاوي إليه أسرة المزواريين المسيطرين على واحة تينزولين وادعى أنهم بنو عمومته تجمعه وإياهم أرومة بني المزوار..

عمد المدني إلى هذا الإدعاء قصد عزل القايد التمنوكالي من محيطه التحالفي.. وفي نفس الوقت وثق من اتصالاته السرية والعلنية مع القائد محمد بن العربي اليحياوي.. هذا الأخير الذي سبق وأن أعلن دعمه للكلاوي وساعده في فك حصار تاوريرت وإخضاع قبائل ورزازات..

هكذا نجح المدني الكَلاوي في إفشال كل المحاولات التي قام بها القائد عبد الرحمن التمنوكالي لإحياء العمل بالأحلاف القبلية بوادي درعة..


المدني الصدر الأعظم

بعد أن استنفذ القائد عبد الرحمن كل محاولاته للوقوف في وجه آل الكَلاوي.. حاول تدارك ما فاته في محاباة آل الكَلاوي.. خاصة أن غريمه القائد محمد بن العربي اليحياوي قد أعلن ولاءه المطلق للمدني الكَلاوي الذي بات يتصرف في شؤون الجنوب باعتباره خليفة للمخزن ولا يد فوق يده بهذه الجهات..

وفي صيف سنة 1907.. كما سبق وأشرت إليه كذلك في منشور سابق.. قاد المدني الكَلاوي الانقلاب الحفيظي بمراكش ضد مولاي عبد العزيز.. فجهز القائد محمد التمنوكالي كتيبة من رجال قبائل أهل مزكيطة وأرسلهم إلى مراكش ليكونوا رهن إشارة عراب الحركة الحفيظية القائد المدني الكَلاوي.. لعل وعسى أن ينال بذلك رضى آل الكلاوي..

لكن كل المبادرات التي قام بها القائد محمد التمنوكالي.. قد كانت دون جدوى .. وظل المدني الكَلاوي يصنف قيادة أهل تامنوكالت.. ضمن خانات الأسر المعارضة لأسرته..

سنة 1909.. رقي القائد المدني الكَلاوي إلى منصب الصدر الأعظم للجهاز المخزني الحفيظي.. فتضاعفت قوى المدني وتوسعت صلاحياته.. فعمد مباشرة إلى تعيين عدد من أقربائه في مناصب مخزنية كقواد وخلفاء بجهات الجنوب..


السلف

من أبرز الشخصيات التي كانت تحكم المنطقة ما بين فترة نهاية حكم مولاي عبد العزيز وتولي أخيه مولاي حفيظ بعد انقلابه..

من الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي..

المزواريين حكام تينزولين الذين ادعى المدني الكلاوي أنهم من بنو عمومته..

القايد محمد بن العربي قائد أولاد يحيى الذي ذكرنا أنه كان داعما ومساندا قويا للمدني الكلاوي وكيف ساعده على فك حصار أخيه حمادي في قصر تاوريرت وساعده لكسر شوكة قبائل أهل ورزازات الثائرة على حكم كلاوة..

القايد عبد الرحمن التامنوكلي القوي والغني وحاكم حوض مزكيطة.. وكيف عمل جاهدا لتنظيم تحالفات يصد بها قوى كلاوة في حملاتهم التوسعية..

بعد أن ترقى المدني الكلاوي بفضل دعمه القوي وقيادته للإنقلاب الحفيظي وأصبح الصدر الأعظم للسلطنة .. قام بتعيين عدد من أفراد أسرته وترقيتهم لمناصب إدارية وسياسية مهمة في المنطقة.. وهنا بدأ ظهور من عرفته المنطقة بإسم القايد حمو الكلاوي..

القايد حمو الكلاوي

لم يلبث المدني في منصبه كصدر أعظم سوى سنتين فقط.. من سنة 1909 إلى 1911 حيث عزله السلطان مولاي حفيظ من منصبه هو وكل أفراد أسرته من مناصبهم الإدارية والسياسية بعد أن توالت عليه الشكايات من أهل المنطقة واستنجادهم به من بطش الطغاة من عائلة كلاوة ..

رغم عزل السلطان للمدني الكلاوي فلم يفقد هذا الأخير وعائلته شيئا من قوته وسلطته على المنطقة وبقي حكم عائلته عليها كما هو إلى أن توفي المدني الكلاوي سنة 1918.. وعين التهامي الكلاوي خلفا له ولم يكن قد طرأ سوى تعديل بسيط على التوزيع الجديد للقبائل التي كان يحكمها..

نفس الشيء بالنسبة للمقاومة للقبائل القوية التي استمرت في التصدي لقوى كلاوة ومساعيها التوسعية.. وكذلك المحاولات المتكررة لبعض القبائل الخاضعة للإنفلات من حكم كلاوة والتمرد عليها..


إشارة جانبية

سنة 1918، سنة وفاة المدني الكلاوي كانت الحماية الفرنسية على السلطنة الشريفة قد مر على بدايتها 6 سنوات.. فقد بدأ تطبيق الحماية سنة 1912، أي بعد أشهر قليلة من عزله من منصب الصدر الأعظم.. أرغم السلطان مولاي حفيظ على توقيع المعاهدة التي عرفت باسم معاهدة فاس.. بعد أن خسر دعم العديد من الجوانب.. ومن بينها دعم المدني الكلاوي وعدد كبير من الداعمين الذين كان يعول عليهم لمحاولته النهوض بالسلطنة والخروج بها من المآزق التي تورطت فيها في فترة حكم أخيه مولاي عبد العزيز وما تلته من تمردات وتخبطات عاشتها السلطنة اقتصاديا، إداريا وسياسيا.. وقد تنازل مباشرة بعدها عن حكمه محبطا لفائدة أخيه مولاي يوسف..


الخلف

القايد حمو الكلاوي وعمه الباشا التهامي الكلاوي

رد المارشال ليوطي بلهجة حادة على الجنرال دو لاموت الذي دعا إلى ضرورة انتهاز فرصة وفاة المدني الكلاوي للحد من سلطة آل الكلاوي:

” إن الوضعية في أوروبا وفي جنوب المغرب جد مضطربة.. وترغمنا على الإعتماد على أشخاص لهم وزنهم.. أذكياء ونشيطين ويمكن الاعتماد عليهم.. والتهامي أحد هذه الرجالات فهو الوحيد من كلاوة الذي تتوفر فيه كل هذه الشروط.. ويجب الإعتماد على تعاونه معنا دون تحفظ.. ذلك أني متأكد أنه لن يوافق على التخلي عن حكمه على مدينة مراكش.. يجب ألا يغيب عن أذهاننا كل ذلك العنف الذي سبغ التنازع على هذه الباشوية سنة 1912 حتى ندرك جيدا إلى أي حد كان هذا المنصب محط اهتمام القياد الكبار في الجنوب.. باختصار نحن الآن في حاجة إلى كلاوة أكثر من أي وقت مضى وخاصة التهامي.. ولا تسمح لنا الظروف الحالية بأن نبخل عليه بإسناد هذا المنصب له.. يجب إذن أن نتابع المسير.. وسنرى بعد الحرب… “

تماما، وكما جاء في رد المرشال ليوطي هذا.. فمباشرة بعد وفاة مولاي يوسف سنة 1927 وبعد أن خلفه ابنه محمد الخامس بن يوسف.. وبعد أن أبان وبرهن كلاوة قبل ذلك عن تعاونهم ودعمهم للفرنسيين وسهلوا مأمورية توغلهم إلى ما وراء الأطلس الكبير في اتجاه الجنوب الشرقي .. تم إسناد باشوية مراكش للتهامي الكلاوي في نفس السنة.. سنة 1927 ميلادية..

في هذه الفترة كان خلف حكام قبائل وادي درعة على النحو الآتي:

– بقيت تينزولين كما العادة تحت حكم المزواريين..

القايد العربي

– تولى القايد العربي الحكم على أولاد يحيى خلفا لوالده محمد بن العربي بعد وفاته..

– توالت خلافة تامنوكالت مركز مزكيطة من حكم عبد الرحمن إلى حكم ابنه محمد بن عبد الرحمن ثم أخيه بوبكر بن عبد الرحمن.. ثم أخيه الأصغر علي بن عبد الرحمن..

This Post Has 4 Comments

  1. Brahim Bousssid

    عمل جيد كالعادة. استمر في نبش اغوار التاريخ المحلي. حاول ان تنشره في كتاب لتعم الفائدة . مع تحياتي.

  2. بن حيتي محمد

    تحياتي لك أستاذ يوسف

  3. شكر

    عمل جيد السي يوسف تحياتي

  4. Mazouz Mohammed

    عمل جيد ونبش في تاريخ المنطقة مع اني لا اتفق في بعض فقرات البحث والتي أجدها مبالغ فيه كقطع رؤوس المخالفين لحكم الكلاوي وتعليق رؤوسهم . يجب تعزيز هذا القول بمراجع ومصادر لان في رايي المتواضع تضاربت أراء الراوءيين وحتى رؤساء بعثات الفرنسية في فترة حكم ال الكلاوي بين مادح لسياستهم وجودهم وكرمهم وبين من يصفهم بالطغاة وقطاع الرؤوس
    شهادة من جدي ايت عبد الرحمان او بالاحرى مزوز عبدالله الحاج و جدتي للا رقية الكراب الذين عايشوا ال الكلاوة وملوك العلويين من السلطان مولاي الحسن الاول الى الملك الحسن التاني طيب الله تراه يشهد ن ان القائد حمادي الكلاوي ينهج سياسة دبلوماسية تتسم بالمرونة في التعامل مع المحيط والسكان.
    الحصار
    التامن قبائل اهل ورزازات بزعامة الشيخ حما علي شيخ تلماسلا لحصار تاوريرت لعدة شهور ولعدة اسباب نذكرمنها محاولة الثأر لشيوخ قبائل ورزازات من أمثال:
    الفقيه محمد بن عبد الله المطرود
    الشيخ سعيد بن عبد ألله الهارب لتيفلتوت
    الشيخ عبد الكريم
    علي الحيان من زاوية سيدي عثمان
    هل في نظرك اهل تاوريرت خونة علما وفي وجهة نظري هذا يسمى وفاء سكان تاوريرت لقاءدهم ، حمايته والتفاتهم حوله ولم يقدموا على خيانته كما فعل سكان تمضاخت لشيخهم علي نايت بن حدو حين اغلقوا عليه الأبواب فعجل ذلك في هزيمته.
    مرة اخرى مع كل الاحترام والتقدير، أشكرك على إثارة مثل هذه المواضيع للتذكير بتاريخ المدينة والاقليم
    رمضان مبارك كريم

اترك تعليقاً